الاستقامة والثبات على الطاعة
الحمد لله رب العالمين، رسم لنا طريقه المستقيم بإنزاله القرآن الكريم.. ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) (الأنعام). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اختص برحمته من اتبع كتابه، فقال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) (الأنعام).
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أمره ربه بالاستقامة على أمره وعدم الطغيان في نعمته، فقال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) (هود)، وقال تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ (الشورى: من الآية 15).. قال قتادة: أي: استقم على أمر الله، وقال سفيان: أي استقم على القرآن..
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد..
عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: "قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك- وفي رواية غيرك- قال: قل: آمنت بالله فاستقم"(1).
أيها الإخوة المسلمون.. الحديث الذي بين أيدينا فيه بيان أن الاستقامة والثبات على الطاعة أساسُ الإسلام، فالاستقامة هي: سلوك الصراط المستقيم، واتباع الدين القويم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك الظاهرة والباطنة، فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها، وهو مطابق لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ (الأحقاق: من الآية 13). أي: وحَّدوا الله وآمنوا به، ثم استقاموا فلم يحيدوا عن التوحيد، والتزموا طاعته سبحانه وتعالى إلى أن توفوا على ذلك، وعن ابن عباس قال: استقاموا على أداء فرائضه.
فمتى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبته وإرادته ورجائه ودعائه والتوكل عليه والإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعته، فإن القلب هو ملك الأعضاء وهي جنوده، فإذا استقام الملك، استقامت جنوده ورعاياه، وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عنه، وقد روي الحديث الذي معنا في غير مسلم بزيادات تؤكد ذلك، فعند الترمذي أن سفيان قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به. قال: "قل: ربي الله ثم استقم"، قال: قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: "هذا"(2).
وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم استقامة الإيمان والقلب واللسان وسائر أعضاء الإنسان عقدًا مترابطًا لا تنفكًّ حباته، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه"(3).
وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه رفعه قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّرُ اللسان فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا"(4).
فكل الخير في الاستقامة على الاجتهاد في الطاعة باقتصاد، وإخلاص مقرون بالاتباع، كما قال بعض الصحابة: اقتصاد في سبيل وسنة، خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة، فاحرصوا أن تكون أعمالكم على منهاج الأنبياء عليهم السلام وسنتهم.
أيها المسلمون: إن الاستقامة على طاعة الله لا تعني العصمة من الذنوب والبراءة من الخطايا، فعن أبي بكر الصديق قال: ما تقولون في هاتين الآيتين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ (الأحقاق: من الآية 13) و﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ (الأنعام: من الآية 82)؟ قالوا: لم يذنبوا. قال: لقد حملتموها على أمر شديد ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ يقول: بشرك، و﴿الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان(6). وفي قوله عز وجل: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ (فصلت: من الآية 6)، إشارة إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها.. "(7). وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن يطيقوا الاستقامة حق الاستقامة؛ فعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"(.
وعن الحكم بن حزن الكُلفي قال: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة، أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله، زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر بنا، أو أمر لنا بشيء من التمر، والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أيامًا شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام متوكئًا على عصا، أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: "أيها الناس إنكم لن تطيقوا، أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سدِّدوا وأبشروا"(9).. والمعنى: اقصدوا التسديد والإصابة والاستقامة، فإنهم لو سدَّدوا في العمل كله، لكانوا قد فعلوا ما أمروا به كله.
إخوة الإسلام: لقد وعد الله عباده المؤمنين الذين استقاموا على طاعته بأنهم في أمن من المخاوف والأحزان قال الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) (فصلت). عن زيد بن أسلم قال: يُؤتى المؤمن عند الموت، فيقال: لا تخف مما أنت قادم عليه فيذهب خوفه ولا تحزن على الدنيا ولا على أهلها، وأبشر بالجنة فيموت وقد قرَّ الله عينه. وعنه قال: يبشر بها عند موته، وفي قبره، ويوم يبعث، فإنه لقي الجنة وما رميت فرحة البشارة من قلبه.
الأحد 10 مارس 2024 - 17:52 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر جمادى الثانية عام 1445هـ الموافق دجنبر 2023م يناير 2024م GMT+1 شمال المغرب تطوان
الجمعة 15 ديسمبر 2023 - 20:42 من طرف omar
» وفاة العلامة العياشي أفيلال المغرب تطوان عن عمر يناهز 82 سنة
الإثنين 11 ديسمبر 2023 - 12:48 من طرف weink
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر ذي الحجة عام 1444هـ الموافق يونيو يوليوز 2023م GMT+1 شمال المغرب تطوان
الجمعة 23 يونيو 2023 - 19:25 من طرف omar
» في عيد المقاومة ويوم التحرير لفلسطين عهدٌ ووعدٌ
الإثنين 29 مايو 2023 - 19:56 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر ذو القعدة عام 1444هـ الموافق ماي يونيو 2023م GMT+1 شمال المغرب تطوان
الخميس 25 مايو 2023 - 21:28 من طرف omar
» الجنرال محمد بريظ، المفتش العام الجديد للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية
الأحد 23 أبريل 2023 - 17:05 من طرف omar
» محمد بن سلمان آل سعود
السبت 22 أبريل 2023 - 23:28 من طرف omar
» الفنان السوري محمد قنوع توفي مساء اليوم السبت، في إثر احتشاء في عضلة القلب، عن عمر ناهز الـ 49 عاماً
السبت 22 أبريل 2023 - 22:44 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر شوال عام 1444هـ الموافق أبريل ماي 2023م بتوقيت +1 GMT المغرب تطوان
السبت 22 أبريل 2023 - 21:21 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر شعبان عام 1444هـ الموافق فبراير مارس 2023م GMT+1 المغرب تطوان
الإثنين 27 فبراير 2023 - 22:50 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر رجب عام 1444هـ الموافق يناير فبراير 2023م GMT+1 المغرب تطوان
الخميس 26 يناير 2023 - 19:00 من طرف omar