الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فإن الله أخبر عن خلقه للسماوات والأرض في ستة أيام إجمالا، قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، ثم فصَّل ذلك في سورة حم السجدة، فأخبر أنه خلق الأرض في يومين، وجعل لها رواسي، وقدَّر فيها أقواتها في يومين، فكان خلق الأرض وما عليها وما فيها في أربعة أيام، قال تعالى: (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِين)، وأخبر سبحانه أنه استوى إلى السماء ـ أي قصد ـ وهي دخان، وأنه سوَّى السماوات سبعا في يومين، قال تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا)، وقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)، ووَصَف السماوات بأنها طرائق وطباق، أي بعضها فوق بعض، وأنها شداد، قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ)، وقال: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)، وقال: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا)، وأخبر سبحانه وتعالى أن السماء سقفٌ مرفوعٌ ومحفوظٌ، فقال تعالى (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ)، وقال: (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا).
وكل هذا إخبار عن ماضيها وحاضرها، وكذلك أخبر الله عمَّا يحدث لها يوم القيامة من الطَيِّ والانشقاق والانفطار والكَشْط، وأنها تُفرج، وأنها تصير واهية بعد الشدة، حتى تكون كالـمُهل في سواده ورخاوته، وهو حُثالة الزيت المذاب، قال تعالى: (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ)، وقال: (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ)، وقال سبحانه: (وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ)، وقال عز وجل: (وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ)، وقال: (وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ)، وقال عز اسمه: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ)، وقال: (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ).
وظاهر هذه الآيات أن السماوات أجرامٌ صُلبة، كما يدل له لفظ الشدة (سَبْعًا شِدَادًا)، ولفظ الانفطار والانشقاق، وكذا وصْفُها بأنها سقف، وأنها مبنية فوقنا، وهذا يدل على أن الفضاء الذي فوقنا ـ وهو ما بين السماء والأرض ـ ينتهي إلى السماء الدنيا، وهي السماء التي تلينا، وهي الأولى، ويسمي بعض العلماء السماوات بالأفلاك؛ لأنها مستديرة، قال ابن تيمية رحمه الله في العقيدة التدمرية في الكلام على قوله تعالى: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء): "فإن قُدِّر أن المراد بالسماء الأفلاك كان المعنى: أنه سبحانه عليها، فـ في بمعنى على، كقوله تعالى عن فرعون: (وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)، وقوله تعالى: (فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ)"أهـ.
وقد دلَّت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم على نحو ما دلَّ عليه القرآن في عدد السماوات، وأن لها عُمَّارا، وهم الملائكة، وأن الجنة في السماء، وأن الملائكة تنزل من السماء إلى الأرض، وتعرج إليها، قال صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم) الحديث.
وكما يدل لذلك أحاديث الإسراء والمعراج، وفيها أن جبريل عليه السلام استفتح كل سماء، وتجاوزها بالنبي صلى الله عليه وسلم سماءً بعد سماء، حتى بلغ السابعة.
وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه استوى على العرش بعد خلقه السماوات والأرض، أي علا عليه وارتفع فوقه، واتفق أهل السنة على إثبات العرش، وأنه أكبر المخلوقات وأعلى المخلوقات، وقد تمدَّح الله بربوبيته للعرش، ووصف العرش بأنه عظيم وكريم ومجيد، فقال: (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)، (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ)، على قراءة جر المجيد، وأضافه إلى نفسه فقال: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)، وأخبر أن له حمَلَةً فقال: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ)، وأخبر سبحانه في سورة ألم السجدة أنه (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)، وأخبر في سورة المعارج أن الملائكة والروح تعرج إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ففهم بعض العلماء من الآيتين أن سورة السجدة فيها بيان بُعْدِ ما بين السماء والأرض، وآية المعارج في بيان بُعْد ما بين الأرض إلى العرش، فقالوا: إنَّ بُعْد ما بين السماء والأرض خمسُ مئة عام، وكذا ما بين كل سماء وسماء، وكِثَف كل سماء خمس مئة عام، وفوق السماء السابعة بحرٌ بين أعلاه وأسفله خمس مئة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، وأخذوا هذا التفصيل من الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: (بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمس مئة سنة، وكِثف كل سماء مسيرة خمس مئة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحرٌ بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله فوق ذلك، ليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم).
[size=18] ومما تعظم به المصيبة أن هذا العلم ـ علم الهيئة ـ المتعلق بالكواكب ومقاديرها وأبعادها وأبعاد ما بينها يدرس في مراحل التعليم في بلاد المسلمين عامة، مما يزرع في قلوب الناشئة الشك والحيرة؛ لأن ما يذكرونه في هذا الشأن من النظريات يتجاوز الخيال، ونظير هذا ما يذكرونه في خلق الأرض، وما يقدرونه في ذلك من ملايين السنين، وكل هذا مبنيٌّ على الخرص والاعتماد على وسائل تجريبية لا تفيد من الدلالات اليقينية ولا عشر معشار ما يزعمونه من التقادير.
وما ذكرته هو نزرٌ يسير بجانب ما ذكره هؤلاء الكفرة الملحدون الذين أوجب لهم كفرهم وجهلهم وغروهم أن يتفوهوا بهذا الدعاوى التي لا يمكن أن يقوم عليها برهان، وشواهد هذا كثيرةٌ مما نقل عنهم، فمن ذلك ما نشر في المواقع الشبكية عن وكالة الفضاء الأوربية (إيسا) "أنها في عام 1987م أثبتت أن عمر المجرة يتراوح بين 7 - 8 آلاف مليون سنة، وعمر الشمس 4600 مليون سنة، وعمر الكواكب بعد هذا التاريخ بنحو 50 مليون سنة، أي منذ 4550 مليون سنة" انتهى.
وجاء في ما يسمى على الشبكة: ويكيبيديا ـ الموسوعة الحرة ـ عن الشمس ما هذا نصه: "يبعد مدار الشمس المجرِّي عن مركز المجرَّة على بعد تقريبي يتراوح ما بين 24,000–26,000 سنة ضوئية، تكمل الشمس مدارها المجرِّي أو السنة المجرِّية كما يظهر من القطب المجرِّي الشمالي في حوالي 225–250 مليون سنة" انتهى.
[/size]
وجاء أيضا في ويكيبيديا ـ الموسوعة الحرة ـ عن درب التبانة ما هذا نصه: "درب التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني: هي مجرة حلزونية الشكل. تحوي ما بين 200 إلى 400 مليار نجم ومن ضمنها الشمس، ويبلغ عرضها حوالي 100 ألف سنة ضوئية، وسمكها حوالي ألف سنة ضوئية، ونحن نعيش على حافة تلك المجرة ضمن مجموعتنا الشمسية، والتي تبعد نحو ثلثي المسافة عن مركز المجرة"انتهى.
فتدبر ذلك ـ أيها المسلم العاقل ـ وإنك لن تستطيع تصور هذه الأرقام، ولا بد أن تقطع بأن هذه الدعاوى العريضة بعيدةٌ كلَّ البعد عن ظاهر ما أخبرت به الرسل مما يتعلق ببدء خلق هذا العالم، فإن هذا العالم في علم الرسل مخلوق محدَث، أي بعد أن لم يكن، أما عند هؤلاء الملاحدة فإنه قديم، كما هو مذهب فلاسفة اليونان، فإن هذا الكون لا بداية له عندهم، لكن ملاحدة هذا العصر يدعون له بداية ليس لهم فيها مستند إلا الفرض والخيال، وهو ما يعبرون عنه بالانفجار العظيم، كما ورد في موقع ما يسمى ويكبيديا ـ الموسوعة الحرة ـ حيث جاء فيها ما هذا نصه: "في علم الكون الفيزيائي: الانفجار العظيم هو النظرية السائدة حول نشأة الكون ... بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة أي لحظة الانفجار قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعتبر عمر الكون"أهـ.
فيا أيها المسلم، قل عند سماعك لهذه الأرقام: آمنت بالله ورسله، وما جاءت به رسله عليهم الصلاة والسلام، وقل: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ولا تكن ممن يحسنون ظنا بهؤلاء الكفرة وبعلومهم، ويزعمون أن هذه العلوم تزيد المؤمن إيمانا، وما رأينا لهذا الزعم حقيقة في الواقع، فنعوذ بالله من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن, والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأحد 10 مارس 2024 - 17:52 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر جمادى الثانية عام 1445هـ الموافق دجنبر 2023م يناير 2024م GMT+1 شمال المغرب تطوان
الجمعة 15 ديسمبر 2023 - 20:42 من طرف omar
» وفاة العلامة العياشي أفيلال المغرب تطوان عن عمر يناهز 82 سنة
الإثنين 11 ديسمبر 2023 - 12:48 من طرف weink
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر ذي الحجة عام 1444هـ الموافق يونيو يوليوز 2023م GMT+1 شمال المغرب تطوان
الجمعة 23 يونيو 2023 - 19:25 من طرف omar
» في عيد المقاومة ويوم التحرير لفلسطين عهدٌ ووعدٌ
الإثنين 29 مايو 2023 - 19:56 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر ذو القعدة عام 1444هـ الموافق ماي يونيو 2023م GMT+1 شمال المغرب تطوان
الخميس 25 مايو 2023 - 21:28 من طرف omar
» الجنرال محمد بريظ، المفتش العام الجديد للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية
الأحد 23 أبريل 2023 - 17:05 من طرف omar
» محمد بن سلمان آل سعود
السبت 22 أبريل 2023 - 23:28 من طرف omar
» الفنان السوري محمد قنوع توفي مساء اليوم السبت، في إثر احتشاء في عضلة القلب، عن عمر ناهز الـ 49 عاماً
السبت 22 أبريل 2023 - 22:44 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر شوال عام 1444هـ الموافق أبريل ماي 2023م بتوقيت +1 GMT المغرب تطوان
السبت 22 أبريل 2023 - 21:21 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر شعبان عام 1444هـ الموافق فبراير مارس 2023م GMT+1 المغرب تطوان
الإثنين 27 فبراير 2023 - 22:50 من طرف omar
» حـصة أوقات الـصلاة لـشهر رجب عام 1444هـ الموافق يناير فبراير 2023م GMT+1 المغرب تطوان
الخميس 26 يناير 2023 - 19:00 من طرف omar